يحوّل نواة الزيتون إلى مكعبات الفحم 

المبتكر مختار غالب يأمل في دعم السلطات العمومية 

معسكر: أم الخير.س

«غالب مختار»، شاب مفعم بالحياة حتى وهو يتخطى ربيعه الثالث والأربعين، متجاوزا عثرات قاسية لم تثنه عن عزيمته ولم تبعده عن المهنة التي ورثها عن والده الثمانيني الناشط في مجال تحويل الزيتون، فالشجرة المباركة ليست فقط التسمية الرمزية لشجرة الزيتون، إنما عشبة طيبة فرعها ثابت في مدينة سيق بولاية معسكر .
لم تنطلق تجربة مختار غالب من فشله في الاستقلال ماديا ومهنيا عن والده، بعد أن بدّد نحو 160 مليار في مشروع لوحدة تصبير الزيتون - باء بالفشل -، إنما انطلقت من نصيحة قدمها رجل عجوز اكتفى من الحياة ولم يعد يريد منها المزيد، قدامها لابنه اليافع الحالم بمستقبل مثمر.
 يقول والد مبتكر تقنية تحويل نواة الزيتون إلى فحم متعدّد الاستعمالات، أنه لم يكن يعتقد أن النصيحة التي قدمها لابنه ستكلل بعد ساعات بفكرة تحصل نظيرها على شهادة براءة الابتكار.
حيث بدأت مسيرة المشروع المبتكِر مختار غالب، من أكوام ضخمة لنواة الزيتون، جمعها واستعد لطحنها وخلطها مع أعلاف الحيوانات ثم بيعها للفلاحين، ليواجهه والده الكريم «أنهم لم يأكلوا يوما من الخبز الحرام» كون النواة المجمعة والمحضرة للتحويل كأعلاف للحيوانات كانت مشبعة بالمواد الكيميائية المضرة بالصحة الحيوانية، ثم وجّهه لحرقها بدل إنفاق مقابل مادي لقاء التخلص منها في المفارغ العمومية.
 وقدّر الحاج غالب علي شريف، الكمية التي أتلفها بـ6 قناطير من نواة الزيتون، استغرق حرقها أزيد عن ثلاث أيام، وبينما كان مختار ينتظر احتراق النواة، راودته تساؤلات وأفكار عدة، من بينها تحويل النواة الى فحم متعدد الاستعمالات، يستغرق احتراقه الكامل أزيد عن 6 ساعات ولا تنبعث منه الغازات والأدخنة السامة.
مشروع ناجح يعتمد على خردة معدنية متهالكة
 شرع مختار في تنفيذ الفكرة سنة 2016، أين نصحه أحد الرفاق بتسجيل فكرته الصناعية والحصول على براءة الابتكار، وهو ما تمّ فعلا بعد إجراءات بسيطة أمام المعهد الوطني الجزائري للملكية  الصناعية في مارس 2020، حيث تقدم بطلب حماية الملكية الفكرية.
 مشاركات المبتكِر مختار غالب في المعارض الفلاحية للمنتوجات التحويلية محليا ووطنيا، دفعته لاغتنام الفرصة من أجل عرض مشروعه الصغير المتمثل في صناعة مكعبات الفحم الذي ينتجه بعد عملية تحويل لا تستغرق الكثير من الوقت وبوسائل بسيطة بل تكاد تكون منعدمة.

ممثل معسكر في مسابقة المؤسسات المبتكرة
 يقول متحدث «الشعب»، مختار غالب - صاحب مستوى الأولى ثانوي - أنه لم يرغب في الابتعاد عن الحرفة (نشاط تصبير الزيتون) التي ورثها عن والده رغم الفشل الذي تكبده في مجال تحويل الزيتون، لافتا أن ذاك الفشل حقق له تحولا في مسيرة حياته، الى أن أصبح حامل لقب المشارك الوحيد من ولاية معسكر في الطبعة العاشرة لمسابقة نيل الجائزة الوطنية للمؤسسة الصغيرة والمتوسطة «المبتكرة» لسنة 2021، تحت شعار الابتكار طريق نحو التنمية المستدامة، والحاصل أيضا على شهادة الابتكار الأخضر من المنظمة الوطنية للملكية الفكرية والمعارف التقليدية، نظيره ابتكاره الأخضر الصديق للبيئة، المتمثل في تحويل نواة الزيتون لمكعبات الفحم تستخدم في عدة استعمالات نفعية وحتى تجارية على غرار الطهي والشواء والتدفئة.

العزيمة أساس تحقيق الأفكار المبتكرة
ويوضح مختار غالب أن إطلاق أي مشروع استثماري يحتاج الى العزيمة كعنصر أساسي لأي نجاح، حتى وإن غابت الإمكانيات وتقلصت حدود تمويل المشروع، مشيرا أنه ارتحل الى عدة مناطق من الوطن بحثا عن الخردوات المعدنية التي يمكنه استغلالها في التأسيس لمؤسسة صغيرة أو ورشة إنتاجية بسيطة، بالنظر لما تكلفه عملية استيراد التجهيزات الصناعية من الخارج.
  وبعد تحصله على بعض الخردوات المهترئة التي تستعمل في البناء وتسخين مياه الحمامات، عمل على صيانتها وتركيبها وتحويلها هي الأخرى الى معدات صناعية، قائلا: «بعد أن تحقّق عمل معدات الخردة التي اقتنيتها تساءلت كثيرا عن وجود كم هائل من الخردة غير المستعملة وتأسفت لغياب التفكير في رسكلتها وإعادة استغلالها في مجالات مفيدة».
فضلا عن الجهد الذي بذله مختار في اقتناء الخردوات المعدنية واستغلالها في المشروع البسيط والمربح، اوجد مكانا معزولا في منطقه جبلية بين حسين وسيق لاحتضان المشروع، بعيدا عن التجمعات السكنية حتى لا تتحوّل انبعاثات تحميص نواة الزيتون الى مبعث للإزعاج.

نفايات تحويل الزيتون مصدر للثروة
وكأي مشروع اقتصادي منتج، لاقت مبتكِر المشروع الصديق للبيئة، صعوبات كثيرة لم تحدّ من عزيمته، وتوجه حاليا الى تسويق منتجه عبر كامل التراب الوطني وبكمية معتبرة مدرة للأرباح، يذهب جزء منها لتسديد أجور 6 عمال في ورشة إنتاج الفحم، وكذا اقتناء المادة الأولية.
 يقول مختار غالب إن نواة الزيتون الناتجة عن نشاط تحويل زيتون المائدة، كان يدفع الصناعيين تكاليف نقلها والتخلص منها في المفارغ العمومية، في حال لم ترمى عبثا في شبكة الصرف الصحي مسببة اهترائها وانسدادها، كما كان مختار يقتني كميات منها مجانا من أصحاب مصانع التصبير كطريقة للتخلص منها، وبعد ظهور مشروعه أصبح يقتني النواة بأسعار معتبرة تصل الى 25 دينار جزائري للكيلوغرام الواحد من النواة، حيث يحتاج صاحب المشروع الى 30 قنطار من النواة لإنتاج 15 قنطار من مكعبات الفحم يوميا، تباع بمبلغ 80 دج للكيلوغرام الواحد لمحلات الشواء.
ويناشد مبتكر المشروع الصديق للبيئة المرتكز على رسكلة وإعادة استعمال مخلفات مصانع تصبير الزيتون، كأحد محاور التنمية المستدامة ، السلطات العمومية مساعدته من أجل تطوير وتوسيع مشروعه الاقتصادي الذي يساهم حاليا في توفير 6 مناصب شغل مباشرة، من خلال تسهيل حصوله على عقار صناعي ودعم مادي لإطلاق مشروع صناعي حديث ومدر للثروة، يمكنه من الإنتاج
والتوجّه نحو الاستيراد بعد الحصول على علامة تجارية، بالنظر إلى جودة المنتج وفخامته، خاصة وأن الشاب مختار غالب يعتبر أول مبتكر لهذه التقنية الصناعية في الجزائر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024